فصل: من فوائد أبي السعود في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا لَكُمْ أَن لا تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} إنكارٌ لأن يكون لهم شيءٌ يدعوهم إلى الاجتناب عن أكل ما ذُكر عليه اسمُ الله تعالى من البحائر والسوائبِ ونحوِها وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم} الخ، جملةٌ حاليةٌ مؤكدةٌ للإنكار كما في قوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَن لا نقاتل في سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن ديارنا وَأَبْنَائِنَا} أي وأيُّ سببٍ حاصلٍ لكم في ألا تأكُلوا مما ذكر اسمُ الله عليه، أو وأيُّ غرضٍ يحمِلُكم على أن لا تأكلوا ويمنعُكم من أكله والحالُ أنه قد فصل لكم {مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} بقوله تعالى: {قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا} الخ، فبقي ما عدا ذلك على الحِلّ لا بقوله تعالى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} الخ، لأنها مدنية، وأما التأخرُ في التلاوة فلا يوجبُ التأخّرَ في النزول، وقرئ الفعلان على البناء للمفعول وقرئ الأول على البناء للفاعل والثاني للمفعول {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} مما حرّم فإنه أيضًا حلالٌ حينئذ {وَإِنَّ كَثِيرًا} أي من الكفار {لَّيُضِلُّونَ} الناسَ بتحريم الحلالِ وتحليلِ الحرام كعمرو بنِ لُحَيّ وأضرابِه وقرئ يَضِلّون {بِأَهْوَائِهِم} الزائغةِ وشهواتِهم الباطلة {بِغَيْرِ عِلْمٍ} مقتبسٍ من الشريعة الشريفة مستندٍ إلى الوحي {إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين} المتجاوزين لحدود الحقِّ إلى الباطل والحلالِ إلى الحرام. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيات:

قال رحمه الله:
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}
وساعة ترى هو هذه فاعرف أنها تَرُدّ وتجيب على ما يمكن أن يقال، فهناك من يقول: أنا سوف أرى تصرفات فلان، ولأنك من البشر فمهما علمت عنه فأنت محدود الإداراك؛ لأنك سترى تصرفات فقط، ولن ترى انفعالات قلبه وتقلبات عقله، ولكن الحق سبحانه وتعالى هو الأعلم؛ لأن الميزان كله عنده، إنه يدرك الظاهر والباطن، وهو سبحانه يقول هنا: {أعلم} وهناك {عليم}، و{العليم} هو من يرى ظاهر الأمر ويحيط به، لا الخافي منه، أما الذي يرى الظاهر والخفي فهو أعلم.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل كثيرة يعامل الناس بعلانيتهم، ويترك سرائرهم إلى الله. «وعندما قتل مسلم رجلًا أعلن الإسلام، سأله صلى الله عليه وسلم لماذا؟، قال: لأنه أعلن الإسلام نفاقًا. فقال صلى الله عليه وسلم: أشققت عن قلبه؟!».
وسبحانه وتعالى: {أعلم}؛ لأنه يعلم الظاهر والباطن، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ويقول الحق: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين}
ما الذي أدخل هذه المسألة في هذا السياق؟ لقد تكلم الحق عن أن هناك أعداء لكل نبي يلتمسون ثغرة في منهجه ليتكلموا فيها، وهذه هي مهمتهم التي هيأها الله لهم، فحين يقولون الاعتراضات نجد المنهج يرد عليهم وبذلك تنتفع الدعوة إلى أن تقوم الساعة.
مثال ذلك نجد الجماعة الذين عارضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج، فحين قال لهم: أنني أسرى بي إلى المسجد الأقصى وعرج بي إلى السماء في ليلة واحدة، التمسوا له ثغرة لينفذوا منها ويضللوا غيرهم وقالوا له: أتدّعي أنك أتيتنا في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرًا؟!! لكنْ أبو بكر الصديق قال: إن كان قال فقد صدق، وهذا هو الإيمان الذي يحسن استقبال الأمر المخالف للنواميس. ويجادلون أبا بكر، فيقول: أنا صدقته في خبر السماء فكيف أكذبه في ذلك، مادام قال فقد صدق، وهذا كلام منطقي.
لكنَّ المعارضين لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أتدّعي أنك أتيتها في ليلة، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرًا! فأعطى صلى الله عليه وسلم لهم الأمارات ووصف لهم العير التي في الطريق، وغير ذلك من العلامات التي تجعل من الأمر حجة إلى يوم القيامة، ولو مرّت مسألة الإسراء والمعراج من غير أن يعترض أحد من الأعداء، لما وجدنا الحرارة في تصديقها.
إننا نجد حاليًا من يقول: وهل من المعقول أنه صلى الله عليه وسلم راح إلى بيت المقدس وجاء في ليلة؟ لابد أن ذلك كان حلمًا. لو لم يقولوا هم هذا ما كنا عرفنا الرد؛ إنما هم قالوها حتى نعرف الرد ويظل الرد رادعًا إلى أن تقوم الساعة، وهذه هي المهمة التي جعلها الله للأعداء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لو قال لهم: إنني حلمت أني رحت بيت المقدس. أكان هناك من يعترض على أن يحلم النبي حتى ولو قال: إنه ذهب إلى آخر المعمورة إنه لا يجرؤ واحد أن يكذبه، لكنهم ما داموا قد كذبوه، ورفضوا تصديق الإسراء فهذا دليل على أنهم فهموا من الذهاب أنه ليس ذهاب رؤيا وإنما ذهاب قالب، لقد فهموا عنه أنه انتقل بجسده من مكة إلى بيت المقدس، ولذلك كذبوه، وهذا التكذيب منهم ينفعنا الآن، لنردَّ به على المكذبين المعاصرين.
إذن فوجد الأعداء يهيج القرائح التي يمكن أن نرد على أية شُبَهٍ يثيرها أي إنسان سواء أكان ماضيًا أم معاصرًا.
والحق هنا يقول: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام 118]
هذه الآية لها قصة توضح كيف يحاول الأعداء اصطياد الثغرات لينفذوا منها، وقالوا: يقول النبي لكم: إن الميتة لا يحل أن تأكلوا منها، وما تذبحونه بأيديكم كلوا منه، والذبح لون من الموت، هذه هي الشبهة التي قالوها، وهي أولًا مغالطة في الأساليب؛ لأن الميتة غير المذبوحة وغير المقتولة. فالمذبوحة إنما ذبحناها لنطهرها من الدم؛ لذلك فالمناقشة الفقهية أو العلمية تهزم قولهم؛ لأن هناك فرقًا بين الموت والقتل. فالموت هو أخذ للحياة بدون سلب للبنية، إنما القتل هو سلب للبنية أولًا فتزهق الروح ويبقى الدم في الجسم. ثم هل يأخذ المشرع وهو الرب الأعلى الحكمة منّا أو أن الحكمة عنده هو وحده؟.
وقد تبين لنا في عصرنا أن غير المؤمنين بدأوا في الاهتداء إلى أن الميتة فيها كل الفضلات الضارة، واهتدوا إلى إزالة كل الفضلات الضارة من الحيوانات التي يريدون أكلها؛ لأن تكوين جسم الحيوان يتشابه مع تكوين جسم الإنسان، فهو يأكل ويهضم ويمتص العناصر الغذائية ليتكون الدم والطاقة، وفي الجسد أجهزة تصفي وتنقي الجسم من السموم الضارة، فَالكُلْية مثلًا تصفّي الدم من البولينا وغيرها، ويسير الدم ليمر على الرئة ليأخذ الأوكسيجين، وكل ذلك لتخليص الجسد من الفضلات الضارة، وأوعية الدم في الإنسان والحيوان فيها الدم الصالح والدم الفاسد، والدم الفاسد هو الذي لم تتم تنقيته، وعندما نذبح الذبيحة ينزل منها الدم الفاسد وغيره، أي أننا ضحينا بالدم الصالح في سبيل وقايتنا من الدم الفاسد. لكنها إن ماتت دون ذبح؛ فآثار الدمين الاثنين موجودة. وكذلك آثار الفضلات التي كان يجب أن يتخلص منها، وهذا ما نفعله في هذا الأمر، لكن هل لنا مع الحق سبحانه وتعالى تعقل في شيء إلا في توثيق الحكم والاطمئنان إلى مجيئه منه جلت قدرته؟
كان جدلهم انهم قالوا: أنتم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله، فأنتم تظنون أنفسكم أحسن من الله، وهذا افتراء منهم.
ثم إن الحيوان حين يموت لم يذكر عليه اسم الله، لكن الذبيحة التي نذبحها نذكر عليها اسم الله، فكأن الحق سبحانه وتعالى يوضح: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه. أي غير الميتة وغير ما يذبح للأصنام. {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام 118]
إنَّ تلقي أي حكم من الحق، لا يصح أبدًا أن نبحث عن علته أولًا ثم نؤمن به، بل علينا بعد أن نثق بأنه من الله الذي آمنا به. علينا إذن أن نأخذ الحكم الذي أمر به الله.
{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين} [الأنعام: 119]
وللآيتين- كما علمنا- سبب نزلتا من أجله وهو أن بعض المعارضين لرسول الله الذين يقفون من الدعوة موقف التكذيب والعمل على إبطالها والقضاء عليها كانوا يُشيعون عند المؤمنين إشاعات قد تفت في عضدهم العقدي فعرضوا هذه المسألة وهي في ظاهرها تشكيك. وهم قد عرضوا القضية بهذا الشكل غير المتسق؛ لأن من الذي قتل؟ لقد قالوا: إن الميتة قتلها الله، فهل الله هو الذي قطع رقبتها؟ وهل ضربها الله على رأسها فأمات أصل إدارة الحياة وهو المخ؟ هل صوّب شيئًا إلى قلبها؟ سبحانه جل وعلا منزه عن مثل هذه الأفعال البشرية، فكيف يسمون الموت قتلًا؟ إن تسمية الموت قتلاَ هو الخطأ، فقولهم: كيف تبيحون لأنفسكم ما قتلتموه أي بالذبح. ولا تبيحون ما قتله الله أي أماته، فيه مغالطة في عرض القضية، ويريد الله سبحانه وتعالى أن يضع عند المؤمنين مناعة من هذه الهواجس التي يثيرونها؛ فقال: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام 118]
وما معنى الذكر؟ إنّ عدم تحديد العلماء المعنى المقصود بالذكر، هو الذي أوجد بينهم خلافًا كبيرًا. فسيدنا الإمام مالك يرى أنك إذا ذبحت ولم تذكر اسم الله سواء أكنت ناسيًا أم عامدًا فلا يصح لك ان تأكل من الذبيحة. ويرى الإمام أبو حنيفة: إذا كنت لم تسم ناسيًا فكل مما ذبحت، لكن إن كنت عامدًا فلا تأكل، والإمام الشافعي رضي الله عنه يرى: ما دمت مؤمنًا ومقبلًا على الذبح وأنت مؤمن فَكُلْ مما لم تذكر اسم الله ناسيًا أو عامدًا لأن إيمانك ذكر لله.
ونقول: ما هو الذكر؟ هل الذكر أن تقول باللسان؟ أو الذكر أن يمر الشيء بالخاطر؟ إن كنتم تقولون إنّ الذكر باللسان فلنبحث في الحديث القدسي الذي قاله الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».
إذن فقد سمّي ربنا الخاطر في النفس ذكرًا وبذلك يصبح من حق الإمام الشافعي أن يقول ما قال.
لذلك أقول: يجب أن نحدد معنى الذكر أولًا حتى ننهي الخلاف حول هذه المسألة، فليس من المقبول أن نقيم معركة حول معنى الذكر؛ لأن الذكر وهو خطور الأمر على البال قد يصحبه أن يخطر الأمر على اللسان مع الخطور على البال، وقد يظل خطورًا على البال فقط، بدليل ما جاء في الحديث السابق.
والمؤمن حين يجد أمامه أشياء كثيرة، قد يوجد شيء جميل وآخر ليس له من الجمال شيء؛ فالجاموسة أقل في الجمال من بعض الحيوانات التي حرم الله أكلها، وأقبل المؤمنون على ذبح الجاموسة ليأكلوا منها. ولم نسمع عن مسلم تقدم إلى حيوان حرم الله أكله ليذبحه، لماذا؟ لأن المؤمن يقبل على ما أحل الله، وهذا الإقبال دليل على أنه ذكر في نفسه المحلل والمحرم وهو الله، إذن اختياره حيوانًا للذبح دليل على أنه ذكر الله في النفس أو في القول، وبهذا نتفق على أن ذكر المؤمن يكون في قلبه قال أو لم يقل، وينتهي الخلاف في هذه المسألة. إذن الإمام الشافعي أخذ بهذه المسألة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أكل المسلم من ذبيحة لا يعرف من ذبحها وهل سمّى أو لم يسمّ، أوضح لمن سأله: سمّ وَكُلْ.
فالإنسان منا لا يحضر وقت الذبح دائمًا، ويكفيه أن يستحضر المحلل والمحرم ساعة الأكل. والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا: اذكروا اسم الله، وسبحانه يعلم أنك تقبل على أشياء لتفعلها. وهذه الأشياء تنقسم إلى قسمين: قسم يمر على بالك قبل أن تفعله، وقسم لا يمر على بالك، بل تفعله تلقائيًا بدون ما يمر على البال، ومثال ذلك الأفعال العكسية كلها التي يفعلها الإنسان إنها لا تمر على باله. فلو حدث أن حاول واحد أن يضع إصبعه في عين آخر، فهذا الآخر يغمض عينيه تلقائيًا. ويختلف ذلك عن الفعل الذي تفكر فيه قبل أن تفعله. فالذي يفعل الفعل بعد أن يمر بخاطره هو فعل ذو بال. ولذلك أراد الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يكلفنا عناء أو مشقة؛ فقال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع».
والأمر ذو بال هو الأمر الذي يكون قد خطر على بالك أن تفعله أو لا تفعله.
إذن فالله سبحانه وتعالى لا يكلفنا إلا عند الأمر الذي يمر على الخاطر؛ لأنك حين تقبل على أي فعل فينفعل لك كما تريد، إن هذا من عطاء الله لك، وأنت حين تذبح عجلًا، أو خروفًا، وتتأمل أنت كيف يُقدرك الله على هذا الكائن الحي. وإنك لم تفعل ذلك إلا لتسخير الله كٌلَّ الكائنات لك. فباسم الله تذبحه.
إذن هناك أمور كثيرة وأفعال ذات بال تمر عليك ومن حسن الأدب والإيمان أن تقبل عليها باسم الله. ولذلك يخطئ بعض الناس حين يظنون أن الإنسان عندما يذبح حيوانًا فهو يؤذيه. لا، بل ذبح هذا الحيوان هو تكملة لمهمته في الحياة؛ لأنه مخلوق لهذا الهدف ومذلل له.
لقد قلنا سابقًا: إن هناك عجيبة من عجائب المزاولات الفعلية، هذه العجيبة أنك حين تأتي إلى الحيوانات التي لم يحلها الله للإِنسان، كالحمار مثلا إذا ما تعرضت هذه الحيوانات إلى ما يميتها، كأن التف حول عنقه حبل، واختنق فهو يموت دون أن يمد رقبته إلى الأمام، لكن الحيوان الذي أحله الله للأكل؛ مثل الجاموسة أو الخروف أو العجل، نجد الحيوان من هذه الحيوانات إن اختنق يمد رأسه إلى الإمام، فيقول أهل الريف في مصر: إنه يطلب الحلال، أي الذبح. فلا يسمى ذبح الحيوان اعتداء عليه؛ لأن الحيوان مخلوق لهذه المهمة.
إذن فمعنى كلمة باسم الله أي أنني لم أجترئ على هذا العمل إلا في إطار اسم الله الذي أحل لي هذا.
بعد ذلك يقول الحق للمؤمنين: لا تسمعوا كلام الكافرين، ويأتي السؤال الاستنكاري: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} والمعنى: أي سبب يمنعكم من أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه؟ وقد فصل لكم ما حرم عليكم، فما ذكر اسم الله عليه ليس من ضمن المحرمات التي نص الله عليها، فربنا سبحانه هو من حلل وحرم. وإن قيل: ما دام قد حرم علينا بعض الأشياء فلماذا خلقت هذه الأشياء؟
ونقول: إن من يفكر بمثل هذا الأسلوب يتناسى أن كل مخلوق من الحيوانات ليس مخلوقًا للأكل، بل لكلٍ حيوان مهمة. وإن ذبحت محرمًا، فقد يناقص هذا الفعل مهمته فالخنزير- مثلًا- حرّمه ربنا؛ إن ذبحته فستذهب به بعيدًا عن مهمته؛ لأنه مخلوق كي يلم جراثيم الأشياء التي لا تراها العين، فأنت حين تذبحه تخرجه عن مهمته. والحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإِنسان، ويعلم ما يناسبه من غذاء يولد الطاقة ولا يهدر الصحة؛ لذلك حرم وحلل له، وإياك أن تقول: إن الله سبحانه وتعالى لم يحرم إلا الشيء الضار؛ فقد حرم شيئًا غير ضار لأنه يريد بذلك الأدب في: افعل هذا ولا تفعل هذا.